الانتصار_السوري_المعارضة_والتربص
فتحي عثمان
فتح انتصار الشعب السوري على طغيان نظام الأسد البائد أبواب الأمل والتضرع على مصراعيها لدى الارتريين الذين ما انفكوا يحلمون بشمس تشرق عليهم فيفر من سناء ضوءها طاغيتهم ، ويخرج المظاليم من أحبتهم من غياهب سجون عيراعيرو، وسمبل وكارشيللي وغيرها من السجون المعروفة والسرية. الفرح السوري داعب حلم كل ارتري وارترية في رؤية السجناء أحراراً طلقاء، وجدد تباريح وأشواق العودة ومعانقة طرق وأشجار الوطن.
ويتحول حلم اليقظة إلى دعاء صادق حار بتحقق الحلم ثم تبدأ بعد هواجس الأسئلة عن الربيع الارتري وموعده؟ وهي أسئلة “يكتمها البعض” كما يكتم سراً مشيناً.
ينتظر الارتريون معجزتان: أما أن تخطف المنية من يسومهم سوء العذاب، أو هبة شعبية تقتلع جذور حكمه؛ ولا يملك المرء تدخلاً في الحالتين. ففي الحالة الثانية لا تقرر الشعوب أنها ستغضب وستثور عند الساعة الرابعة من مساء الثلاثاء؛ فلكل غضبة وهبة سبب وحين.
بالمقابل، وعندما يتصاعد دخان الحلم، وتصعد الأدعية إلى عنان السماء يطل السؤال ليعيد الحالم والمبتهل إلى قحولة الواقع ليتضخم السؤال عن الأدوات الملموسة للتغيير. ويتذكر المرء بداية الربيع السوري في 2011 والقمع الوحشي للمتظاهرين والتحول نحو المقاومة المسلحة للنظام والتدخلات الأجنبية والصراع حد المواجهات الدامية، حتى صار النموذج السوري، كما اليمني والليبي، بعبعاً مسعوراً يطلق في وجه الشعوب الحالمة بالانعتاق. وأصبح كذلك مشعلاً لا يراد به إضاءة ليل الظلم وحلكته، بل يشهر في وجوه طلاب التحرير بغية حرقها وتشويهها. والزن المتواصل بأن أي خروج على الظالم سبيله الوحيد هو الخراب.
وتتلوى وتئن الأسئلة الارترية تحت نار متى وكيف؟ أما متى فهي لحظة زلزلة عرش الشيطان؛ وإما كيف فذلك هو السؤال الذي يخصنا ويحرجنا ويخرجنا عراة أمام ذواتنا إزاء خطيئة العجز اللعينة. وهو الأصبع الذي يشير- بلؤم- نحو المعارضة: المفهوم والأداء والفاعلين.
والمعارضة لا تفارق مفهومها المربوط أبداً بالانتظار والجلوس على كنبة ومقاعد الظل حتى في الحكومات المنتخبة ديموقراطياً، وهي المقابل المتجسد للحكومة. والمعارضة محكومة بالانتظار الممض، وهرباً من الآم الانتظار كثيراً ما تضع العصي في عجلات الحكومة آملة أن تكبها على وجهها فتتعلي سدة السلطة، وفي سعيها المحموم ذلك تتربص بالحكومة الدوائر.
وفي حالة مشابهة في تونس تسمي بعض وسائل الإعلام الوزير بلا حقيبة بالوزير المتربص، فهو يتربص بالمنصب آناء الليل والنهار تماماً كما تحلم المعارضة بكرسي السلطان.
والمقاومة الارترية اليوم في حالة معارضة، والمعارضة صنو “للكمون” والتربص والانتظار، فهي لا تقوى على التغيير إلا إذا تحولت من كمون وتربص المعارضة إلى فاعلية وعنفوان المقاومة. وأن تتحول من “ناسك” متربص وقوع ثمرة السلطة ناضجة في حجره إلى مقاومة تغيير- ولا أعنى بذلك العمل المسلح- لأن حمل السلاح بلا موجهات وأهداف يشبه حال من أطلق النار منتشياً في حفل عرس فأصاب العريس في مقتل وحول الفرح إلى مأتم.
وكما يحتاج السلام إلى شجاعة تفوق الشجاعة المطلوبة في الحرب؛ فإن المقاومة والعمل يحتاجان كذلك إلى شجاعة التحول من معارضة متربصة إلى مقاومة فاعلة: بالتضحية والنظر، والإيمان والعمل والانجاز. شجاعة التحول من المعارضة إلى المقاومة هي “الخيار الوحيد المتبقي” لتغيير الواقع المزري في ارتريا؛ والبديل هو البقاء في “كنبة الانتظار” في انتظار قادم قد لا يأتي. والأمل والتضرع عند انتصار الشعوب الأخرى، كالدعاء في ساعات هطول المطر